الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.من فوائد الزمخشري في الآيات: قال رحمه الله:.[سورة النساء: الآيات 15- 16]: {وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ}.يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ يرهقنها، يقال أتى الفاحشة وجاءها وغشيها ورهقها بمعنى. وفي قراءة ابن مسعود: يأتين بالفاحشة، والفاحشة: الزنا لزيادتها في القبح على كثير من القبائح {فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ} قيل معناه: فخلدوهن محبوسات في بيوتكم، وكان ذلك عقوبتهن في أول الإسلام، ثم نسخ بقوله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي...} الآية ويجوز أن تكون غير منسوخة بأن يترك ذكر الحدّ لكونه معلوما بالكتاب والسنة، ويوصى بإمساكهن في البيوت، بعد أن يحددن صيانة لهن عن مثل ما جرى عليهن بسبب الخروج من البيوت والتعرض للرجال {أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا} هو النكاح الذي يستغنين به عن السفاح. وقيل: السبيل هو الحد، لأنه لم يكن مشروعا ذلك أوقت. فإن قلت: ما معنى {يتوفاهن الموت}- والتوفي والموت بمعنى واحد، كأنه قيل: حتى يميتهن الموت-؟ قلت: يجوز أن يراد حتى يتوفاهن ملائكة الموت، كقوله: {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ}.{إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ}، {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ} أو حتى يأخذهن الموت ويستوفى أرواحهن {وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ} يريد الزاني والزانية {فَآذُوهُما} فوبخوهما وذمّوهما وقولوا لهما: أما استحييتما، أما خفتما اللَّه {فَإِنْ تابا وَأَصْلَحا} وغيرا الحال {فَأَعْرِضُوا عَنْهُما} واقطعوا التوبيخ والمذمة، فإن التوبة تمنع استحقاق الذم والعقاب، ويحتمل أن يكون خطابًا للشهود العاثرين على سرهما، ويراد بالإيذاء ذمهما وتعنيفهما وتهديدهما بالرفع إلى الإمام والحد، فإن تابا قبل الرفع إلى الإمام فأعرضوا عنهما ولا تتعرضوا لهما. وقيل: نزلت الأولى في السحاقات وهذه في اللواطين. وقرئ: واللذانّ بتشديد النون. واللذانّ: بالهمزة وتشديد النون..[سورة النساء: الآيات 17- 18]: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (17) وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذابًا أَلِيمًا (18)}التَّوْبَةُ من تاب اللَّه عليه إذا قبل توبته وغفر له، يعنى إنما القبول والغفران واجب على اللَّه تعالى لهؤلاء. بِجَهالَةٍ في موضع الحال أي يعملون السوء جاهلين سفهاء، لأنّ ارتكاب القبيح مما يدعو إليه السفه والشهوة، لا مما تدعو إليه الحكمة والعقل. وعن مجاهد: من عصى اللَّه فهو جاهل حتى ينزع عن جهالته مِنْ قَرِيبٍ من زمان قريب. والزمان القريب: ما قبل حضرة الموت. ألا ترى إلى قوله: {حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ} فبين أنّ وقت الاحتضار هو الوقت الذي لا تقبل فيه التوبة فبقى ما وراء ذلك في حكم القريب. وعن ابن عباس: قبل أن ينزل به سلطان الموت. وعن الضحاك: كل توبة قبل الموت فهو قريب. وعن النخعي: ما لم يؤخذ بكظمه.وروى أبو أيوب عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم: «إنّ اللَّه تعالى يقبل توبة العبد ما لم يغرغر» وعن عطاء: ولا قبل موته بفواق ناقة. وعن الحسن: أنّ إبليس قال حين أهبط إلى الأرض: وعزتك لا أفارق ابن آدم ما دام روحه في جسده. فقال تعالى: وعزتي لا أغلق عليه باب التوبة ما لم يغرغر فإن قلت: ما معنى {مِنْ} في قوله: {مِنْ قَرِيبٍ}؟ قلت: معناه التبعيض، أي يتوبون بعض زمان قريب، كأنه سمى ما بين وجود المعصية وبين حضرة الموت زمانا قريبا، ففي أي جزء تاب من أجزاء هذا الزمان فهو تائب من قريب، وإلا فهو تائب من بعيد. فإن قلت: ما فائدة قوله: {فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} بعد قوله: إنما التوبة على اللَّه لهم؟ قلت: قوله: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ} إعلام بوجوبها عليه كما يجب على العبد بعض الطاعات. وقوله: {فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ} عدة بأنه يفي بما وجب عليه، وإعلام بأن الغفران كائن لا محالة كما يعد العبد الوفاء بالواجب {وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ} عطف على الذين يعملون السيئات. سوّى بين الذين سوّفوا توبتهم إلى حضرة الموت، وبين الذين ماتوا على الكفر في أنه لا توبة لهم، لأنّ حضرة الموت أول أحوال الآخرة، فكما أنّ المائت على الكفر قد فاتته التوبة على اليقين، فكذلك المسوّف إلى حضرة الموت لمجاوزة كل واحد منهما أو ان التكليف والاختيار {أُولئِكَ أَعْتَدْنا لَهُمْ} في الوعيد نظير قوله: {فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} في الوعد ليتبين أن الأمرين كائنان لا محالة. فإن قلت: من المراد بالذين يعملون السيئات، أهم الفساق من أهل القبلة أم الكفار؟ قلت: فيه وجهان: أحدهما أن يراد الكفار، لظاهر قوله: {وَهُمْ كُفَّارٌ}.وأن يراد الفساق، لأن الكلام إنما وقع في الزانيين، والإعراض عنهما إن تابا وأصلحا، ويكون قوله: {وَهُمْ كُفَّارٌ} واردًا على سبيل التغليظ كقوله: {وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ}.وقوله «فليمت إن شاء يهوديا أو نصرانيا» «من ترك الصلاة متعمدا فقد كفر» لأن من كان مصدقا ومات وهو لم يحدث نفسه بالتوبة، حاله قريبة من حال الكافر، لأنه لا يجترئ على ذلك إلا قلب مصمت..[سورة النساء: آية 19]: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهًا وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا (19)}كانوا يبلون النساء بضروب من البلايا ويظلمونهن بأنواع من الظلم، فزجروا عن ذلك: كان الرجل إذا مات له قريب من أب أو أخ أو حميم عن امرأة، ألقى ثوبه عليها وقال أنا أحق بها من كلّ أحد، فقيل لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهًا أي أن تأخذوهن على سبيل الإرث كما تحاز المواريث وهن كارهات لذلك: أو مكرهات. وقيل: كان يمسكها حتى تموت، فقيل:لا يحل لكم أن تمسكوهنّ حتى ترثوا منهنّ وهنّ غير راضيات بإمساككم. وكان الرجل إذا تزوّج امرأة ولم تكن من حاجته حبسها مع سوء العشرة والقهر، لتفتدى منه بمالها وتختلع، فقيل: ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهنّ. والعضل: الحبس والتضييق. ومنه: عضلت المرأة بولدها، إذا اختنقت رحمها به فخرج بعضه وبقي بعضه إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وهي النشوز وشكاسة الخلق وإيذاء الزوج وأهله بالبذاء والسلاطة، أي إلا أن يكون سوء العشرة من جهتهن فقد عذرتم في طلب الخلع. ويدل عليه قراءة أبىّ: إلا أن يفحشن عليكم. وعن الحسن: الفاحشة الزنا، فإن فعلت حلّ لزوجها أن يسألها الخلع. وقيل: كانوا إذا أصابت امرأة فاحشة أخذ منها ما ساق إليها وأخرجها. وعن أبى قلابة ومحمد بن سيرين: لا يحل الخلع حتى يوجد رجل على بطنها.وعن قتادة: لا يحل أن يحبسها ضرارًا حتى تفتدى منه، يعنى وإن زنت. وقيل: نسخ ذلك بالحدود، وكانوا يسيئون معاشرة النساء فقيل لهم وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وهو النصفة في المبيت والنفقة، والإجمال في القول فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فلا تفارقوهن لكراهة الأنفس وحدها فربما كرهت النفس ما هو أصلح في الدين وأحمد وأدنى إلى الخير، وأحبت ما هو بضد ذلك، ولكن للنظر في أسباب الصلاح..[سورة النساء: الآيات 20- 21]: {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطارًا فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (20) وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقًا غَلِيظًا (21)}وكان الرجل إذا طمحت عينه إلى استطراف امرأة؟ بهت التي تحته ورماها بفاحشة حتى يلجئها إلى الافتداء منه بما أعطاها ليصرفه إلى تزوّج غيرها. فقيل: وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ الآية. والقنطار: المال العظيم، من قنطرت الشيء إذا رفعته. ومنه القنطرة، لأنها بناء مشيد. قال:وعن عمر رضى اللَّه عنه أنه قام خطيبًا فقال: أيها الناس، لا تغالوا بصدق النساء، فلو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى عند اللَّه لكان أولاكم بها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، ما أصدق امرأة من نسائه أكثر من اثنى عشر أوقية، فقامت إليه امرأة فقالت له: يا أمير المؤمنين، لِمَ تمنعنا حقا جعله اللَّه لنا واللَّه يقول: {وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطارًا} فقال عمر: كل أحد أعلم من عمر ثم قال لأصحابه: تسمعوننى أقول مثل هذا القول فلا تنكرونه علىّ حتى تردّ علىّ امرأة ليست من أعلم النساء. والبهتان: أن تستقبل الرجل بأمر قبيح تقذفه به وهو بريء منه، لأنه يبهت عند ذلك، أي يتحير. وانتصب بُهْتانًا على الحال، أي باهتين وآثمين، أو على أنه مفعول له وإن لم يكن غرضًا، كقولك: قعد عند القتال جبنًا. والميثاق الغليظ: حق الصحبة والمضاجعة، كأنه قيل: وأخذن به منكم ميثاقا غليظًا، أي بإفضاء بعضكم إلى بعض. ووصفه بالغلظ لقوّته وعظمه، فقد قالوا: صحبة عشرين يوما قرابة، فكيف بما يجرى بين الزوجين من الاتحاد والامتزاج؟ وقيل: هو قول الولىّ عند العقد: أنكحتك على ما في كتاب اللَّه من إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان. وعن النبي صلى اللَّه عليه وسلم: استوصوا بالنساء خيرًا فإنهن عوان في أيديكم أخذتموهن بأمانة اللَّه، واستحللتم فروجهن بكلمة اللَّه. .[سورة النساء: آية 22]: {وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلاَّ ما قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَمَقْتًا وَساءَ سَبِيلًا (22)}وكانوا ينكحون روابهم، وناس منهم يمقتونه من ذى مروآتهم، ويسمونه نكاح المقت. وكان المولود عليه يقال له المقتى. ومن ثم قيل: {وَمَقْتًا} كأنه قيل: هو فاحشة في دين اللَّه بالغة في القبح، قبيح ممقوت في المروءة ولا مزيد على ما يجمع القبحين. وقرئ: لا تحل لكم بالتاء، على أنّ ترثوا بمعنى الوراثة. وكرها- بالفتح، والضم- من الكراهة والإكراه. وقرئ {بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} من أبانت بمعنى تبينت أو بينت، كما قرئ {مُبَيِّنَةٍ} بكسر الياء وفتحها. و{يجعل الله} بالرفع، على أنه في موضع الحال: {وآتيتم إحداهن} بوصل همزة إحداهن، كما قرئ {فلا اثم عليه}. فإن قلت: تعضلوهن، ما وجه إعرابه؟ قلت: النصب عطفا على أن ترثوا. و(لا) لتأكيد النفي. أي لا يحل لكم أن ترثوا النساء ولا أن تعضلوهن. فإن قلت: أي فرق بين تعدية ذهب بالباء، وبينها بالهمزة؟ قلت: إذا عدى بالباء فمعناه الأخذ والاستصحاب، كقوله تعالى: {فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ} وأما الإذهاب فكالإزالة. فإن قلت: {إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ} ما هذا الاستثناء؟ قلت:هو استثناء من أعم عام الظرف أو المفعول له، كأنه قيل: ولا تعضلوهن في جميع الأوقات إلا وقت أن يأتين بفاحشة. أو: ولا تعضلوهنّ لعلة من العلل إلا لأن يأتين بفاحشة. فإن قلت:من أي وجه صح قوله: {فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا} جزاء للشرط؟ قلت: من حيث أنّ المعنى: فإن كرهتموهن فاصبروا عليهن مع الكراهة، فلعل لكم فيما تكرهونه خيرا كثيرًا ليس فيما تحبونه فإن قلت كيف استثني ما قد سلف مما نكح آباؤكم؟ قلت: كما استثنى «غير أن سيوفهم» من قوله «ولا عيب فيهم» يعنى: إن أمكنكم أن تنكحوا ما قد سلف، فانكحوه، فلا يحل لكم غيره.وذلك غير ممكن. والغرض المبالغة في تحريمه وسدّ الطريق إلى إباحته، كما يعلق بالمحال في التأبيد نحو قولهم: حتى يبيض القار، وحتى يلج الجمل في سم الخياط..[سورة النساء: آية 23]: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخالاتُكُمْ وَبَناتُ الْأَخِ وَبَناتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ وَرَبائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلاَّ ما قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُورًا رَحِيمًا (23)}معنى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ} تحريم نكاحهن لقوله: {وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ} ولأن تحريم نكاحهن هو الذي يفهم من تحريمهن، كما يفهم من تحريم الخمر تحريم شربها، ومن تحريم لحم الخنزير تحريم أكله. وقرئ {وبنات الأخت} بتخفيف الهمزة. وقد نزل اللَّه الرضاعة منزلة النسب، حتى سمى المرضعة أمّا للرضيع، والمراضعة أختا، وكذلك زوج المرضعة أبوه وأبواه جداه، وأخته عمته، وكل ولد ولد له من غير المرضعة قبل الرضاع وبعده فهم إخوته وأخواته لأبيه، وأم المرضعة جدّته، وأختها خالته، وكل من ولد لها من هذا الزوج فهم إخوته وأخواته لأبيه وأمه، ومن ولد لها من غيره فهم إخوته وأخواته لأمه. ومنه قوله صلى اللَّه عليه وسلم: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» وقالوا: تحريم الرضاع كتحريم النسب إلا في مسألتين: إحداهما أنه لا يجوز للرجل أن يتزوج أخت ابنه من النسب ويجوز أن يتزوّج أخت ابنه من الرضاع، لأن المانع في النسب وطؤه أمها. وهذا المعنى غير موجود في الرضاع والثانية: لا يجوز أن يتزوج أم أخيه من النسب، ويجوز في الرضاع، لأن المانع في النسب وطء الأب إياها، وهذا المعنى غير موجود في الرضاع مِنْ نِسائِكُمُ متعلق بربائبكم. ومعناه أن الربيبة من المرأة المدخول بها محرمة على الرجل حلال له إذا لم يدخل بها. فإن قلت: هل يصح أن يتعلق بقوله وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ؟ قلت: لا يخلو إمّا أن يتعلق بهن وبالربائب، فتكون حرمتهن وحرمة الربائب غير مبهمتين جميعًا. وإما أن يتعلق بهن دون الربائب، فتكون حرمتهنّ غير مبهمة وحرمة الربائب مبهمة، فلا يجوز الأوّل، لأن معنى «من» مع أحد المتعلقين، خلاف معناه مع الآخر. ألا تراك أنك إذا قلت: وأمّهات نسائكم من نسائكم اللاتي دخلتم بهنّ فقد جعلت «من» لبيان النساء، وتمييز المدخول بهنّ من غير المدخول بهنّ.
|